[center]{ يٰأَبَتِ إِنِّيۤ أَخَافُ أَن يَمَسّاتق اللهعَذَابٌ مِّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً }مريم-46
تتجلى في الآية مظاهر الأدب من الابن البار في دعوة أبيه مع غاية الشفقة عليه ووضحت جلية في كل كلمة من كلماتها.
ففكر وتتدبر..
لما جاء الخطاب باسم (ٱلرَّحْمَـٰنِ) مع ذكر العذاب؟ وعلام تدل كلمة ( يَمَسّاتق الله)؟
ذكر اسم (الرحمن) تنبيه على فظاعة الجرم حيث أن الرحمن من شأنه أن يرحم,وترغيب للأب في التوبة بتذكيره بسعة رحمة الله ,وترهيبه أيضا أنه يعذب من يعصيه بقوله (عذاب من الرحمن), وكلمة (يمسك) دليل على غاية الشفقة من إبراهيم عليه السلام على أبيه.
جاء في التحرير والتنوير:-
عبر
عن الجلالة بوصف الرحمن للإشارة إلى أن حلول العذاب ممن شأنُه أن يرحم
إنما يكون لفظاعة جرمه إلى حد أن يحرمه من رحمته مَن شأنه سعة الرحمة.
وقال الشيخ الشعراوي رحمه الله:-
الخليل الله يتلطف في دعوة أبيه فيقول: { يَمَسّاتق اللهعَذَابٌ
},ولم يقُلْ مثلاً: يصيبك. فهو لا يريد أنْ يصدمه بهذه الحقيقة، والمسُّ:
هو الالتصاق الخفيف، وكأنه يقول له: إن أمرك يُهمني، وأخاف عليك مجرد هبو
التراب أن ينالك. وهذا منتهى الشفقة عليه والحرص على نجاته.
((فائدة إضافية))
الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة
انتهتْ
المحاورة التي احتوتْ أربعة نداءات حانية، وجاءت نموذجاً فريداً للدعوة
إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة؛ فراعتْ مشاعر الأب الذي يدعوه ولده
ويُقدِّم له النُّصْح، ورتبت الأمور ترتيباً طبيعياً، وسَلْسَلَتْها
تسلْسُلاً لطيفاً لا يثير حفيظة السامع ولا يصدمه.
وقد
راعى الحق ـ تبارك وتعالى ـ جوانب النفس البشرية فأمر أنْ تكونَ الدعوة
إليه بالحكمة والموعظة الحسنة حتى لا تجمع على المدعو قسوة الدعوة، وقسوة
أنْ يترك ما أَلِف، ويخرج منه إلى ما لم يألف.
فأنت
حين تدعو شخصاً إلى الله فإنما تُخرِجه عن الفساد الذي أَلِفه، وهو لم
يألف الفساد إلا بعد أن اشتهاه أولاً، ثم اعتاده بالفعل والممارسة ثانياً،
وهاتان مصيبتان آخذتان بزمامه، فما أحوجه لأسلوب لَيِّن يستميل مشاعره
ويعطفه نحوك فيستجيب لك.
وما
أشبه الداعية في هذا الموقف بالذي يحتال ليخلص الثوب الحرير من الأشواك،
أما إنْ نهرته وقسوْتَ عليه فسوف يُعرض عنك وينصرف عن دعوتك، ويظلّ على ما
هو عليه من الفساد؛ لذلك قال تعالى:
{ ٱدْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِٱلْحِكْمَةِ وَٱلْمَوْعِظَةِ ٱلْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ }
[النحل: 125].
ويقولون: النصح ثقيل فلا تُرسِلْه جبلاً، ولا تجعله جدلاً، وقالوا: الحقائق مُرّة فاستعيروا لها خِفّة البيان.
الشيخ محمد متولي الشعرواي رحمه الله
منقول